قد يبدو اللباس التقليدي للمرأة السعودية جميلاً ومناسباً للإرتداء في المناسبات والإحتفالات العامة لا سيما بأن التراث في المملكة غنيٌ بالأزياء المخصصة لمثل هذه الأيام. فنرى هناك أزياء تراثية مثل “المرفوع” عند نساء قبيلة بني سعد والذي كان “يٌرفع” عن الأنظار لحين أوقات المناسبات و ثوب “الصُدرة” عند قبائل ثقيف والذي صممته المرأة لتصدُّر المجالس في الإحتفالات، كذلك ثوب “الغمرة” الذي كانت ترتديه نساء الحجاز في الليلة التي تسبق الزواج، وثوب “المسرّح” لنساء نجد أو “النشل” عند نساء المنطقة الشرقية المصنوع من الحرير المطرّز بالذهب والمصمم خصيصاً لليالي الأفراح.
يصف الكاتب الفرنسي ميشيل دي مونتين الملابس بأنها استعارات للمعاني. معاني لم تتم صياغتها بالحروف والكلمات بل تمّ نسجها بالخيوط والأقمشة ونحن حينما نرتدي ملابسنا فإننا نستعير بذلك الدلالات التي تحملها.
على الجانب الآخر، كانت هناك أزياء ترتديها المرأة السعودية في حياتها اليومية لا تقل جمالاً عن تلك التي كانت مصممة للمناسبات. فبسبب كونها كانت تقوم إمّا بخياطة زيّها اليومي بنفسها أو الإشراف على تصميمه كان ذلك الزي بمثابة “طبقة جلد ثانية” بالنسبة لها وامتداداً لجسدها وتطوّر شخصيتها ومكانتها في المجتمع. فنجد بأن الأزياء تخبرنا عن ذاتها، عن هويتها، عن مبادئها، عن ممارساتها اليومية، وعن الأماكن التي تنتمي إليها. لكن رغم اختلاف تلك الأزياء من مرأة لأخرى تبقى هناك سمات مشتركة فيما بينها توافق ماكتب عنه عالم النفس التجريبي جون فلوجل عن الدوافع الرئيسية الثلاثة لإرتداء الملابس، وهي: الإحتشام، الحماية، والإستعراض.
عند الأنثروبولوجيين، المهتمين بدراسة الإنسان، فإن ما يُكسب الثقافة هويتها المتفرّدة عن باقي الثقافات الأخرى ليس تلك الأيام الخاصة بالمناسبات فحسب، بل نمط الحياة اليومي للأفراد فيها.
في كتاب Traditional Costumes of Saudi Arabia الذي يوثّق تاريخ الأزياء التقليدية في المملكة والصادر عن المنظمة البريطانية الخيرية “منسوجات” والتي تقوم عليها مجموعة من النساء السعوديات الشغوفات بهذا التراث، نرى بأن الزي اليومي للمرأة السعودية غني ليس فقط من النواحي الجمالية والزُخرفية المستوحاة دائماً من البيئة المحلّية، بل أيضاً من النواحي العملية للإستخدام والتفاصيل الصغيرة الخاصة بالصحة البدنية والمعنوية كمراعاة درجة حرارة الجسم وطريقة تهويته وسهولة الحركة فيه بالإضافة إلى ملمسه وألوانه والرائحة الخاصة به.
كانت الكاتبة البريطانية أدا بالين من أوائل النساء اللّاتي كتبن عن علاقة الأزياء بالصحة. فقد كانت تكتب عن ملاحظتها النقدية تجاه اتّباع تصاميم الموضة من دون الإنتباه لتأثيرها الصحي على الجسد. لذلك كانت توصي دائماً بأن تكون الأزياء ليست مواكبة للموضة فحسب، بل أيضاً تلائم جسد المرأة وصحتها حتى تكون أزياء ناجحة.
هذا التراث الشاسع والمتنوّع من الأزياء التقليدية لم يكن بمقدوره مقاومة التغيير الذي أحدثه ظهور البترول في المملكة كما تصف الدكتورة ليلى البسام أستاذة تاريخ الأزياء والمنسوجات التقليدية في جامعة الأميرة نورة بنت عبدالرحمن، لكن باستطاعتنا المحافظة عليه وذلك بمنحه هيئات وصور جديدة تواكب حاضرنا. فالموضة في حقيقتها لا تتعارض مع الهويّة إنما هي تتعارض مع الثابت، فكل شيء يتغيّر، ونحن علينا أن نوظّف موضاتنا في ابتكار تصاميم معاصرة مقتبسة من هويتنا وملائمة لحياتنا اليومية كما فعلت من قبل الأجيال السابقة.
كانت النساء في قبيلة هذيل يضيفون قطعة قماشية يتم خياطتها ووضعها أعلى الرأس تحت الغطاء لإضفاء رائحة عطرية مرافقة للباس، ويتم حشوها بالتالي: الريحان الهندي، الشِيح، جوزة الطيب، البرقوق، الهيل والقرنفل. أما النساء في منطقة الطائف وتهامة فكانوا يحشون تلك القطع القماشية بالورود.
في تصميم لباس النساء في عسير نجد بأن هناك فتحة طولية تسمى المتاحر تتم إضافتها تحت منطقة الإبط تسمح للمرأة بتحرير يدها للعمل في الحقل، أو لغرض الوضوء، أو للقيام بإرضاع أطفالها.
في قبيلة حرب كانت النساء ترتدي أنواع مختلفة من البراقع بحسب المناسبة والحالة الإجتماعية التي يعيشونها. فنجد بأنها ترتدي البرقع المطرّز بالعملات المعدنية واللآلئ في الأيام العادية، ويكون أطول أيام المناسبات. بينما يتم تصميم البرقع باللون الأبيض لأيام الحج وباللون الأحمر للمرأة الأرملة.
في تصميم الجُبّة النسائيه أو المداره عند نساء منطقة الباحة نجد رسومات متكررة على شكل مثلثات مستهلمة من تصاميم العمارة للبيوت التقليدية.
ثوب المتفت المصنوع من قطع الحرير المستطيلة والذي كانت ترتديه المرأة في نجد كان يتميّز بثلاث ألوان خاصة به، وهي: اللون الفوشي، البرتقالي، واللون الأخضر. كما كان يضاف إليه تطريزات مستوحاة من البيئة المحلّية كأشكال النخيل والتمور.
كانت هناك تصاميم مختلفة لثوب الزَبون عند نساء الحجاز. فالثوب المطرّز بالكنتيل والتلي يكون للمرأة الشابه، والمطرز باللؤلؤ فللنساء البالغات، أما الزبون بالمخاريم والثقوب أو العقفات فتلبسه النساء في منتصف العمر، وللنساء الكبيرات في السن فالزبون يكون عادةً خالياً من التطريز.