لكل عمل يقوم به الإنسان وظيفة محددة يتطلّبها منه ذلك العمل، ومن أهم الصفات التي يتشارك فيها من يبرعون في أعمالهم هو فهمهم الواضح لتلك الوظيفة ولدورهم المحدد في تنفيذها. التصميم كغيره من الأعمال له وظيفته المحدّدة كذلك، ولكن لتطوّره المتسارع نظراً لإرتباطه بالتقنية بالإضافة إلى تنوّع تخصصاته مقارنة بمجالات أخرى، قد لا تبدو وظيفته واضحة كما كانت من قبل عند ممارسيه، وخصوصاً لدى الجيل الشاب منهم.
من هو المصمم؟ وما دوره ووظيفة عمله؟ حاول العديد من المصممين الإجابة عن هذا السؤال، لكن أحدهم بالتحديد أجاب عن ذلك بحروف إيطالية تمتاز بالإختصار في كتاب صغير تم نشره في سنة ١٩٦٦ يحوي بعضاً من المقالات القصيرة التي لا تتجاوز الصفحتين. ومنذ ذلك الحين والكثير من المصممين حول العالم، باختلاف مجالاتهم، مازالوا يعتبرونه من أحد كتبهم المفضّلة والمُلهمة.
المصمم كما يعرّفه الإيطالي برونو موناري، هو “مُخطِط ذو حِسٍ جمالي”. قد يساء فهم هذا التعريف لذلك حَرص موناري على أن يوضّح لنا ما كان يعنيه بعبارتي “مُخطِط” و “حِسٍ جمالي”.
“Il designer è un progettista dotato di senso estetico.” “.المصمم هو مُخطِط ذو حِسٍ جمالي”
التخطيط، هي عملية تستدعي بالضرورة قُدرة التعامل مع عناصر مستقلّة عن المصمم لتحقيق هدف محدد وخاص بتلك العناصر. هذا يعني بأن عمل المصمم لا يعتمد على آرائه ومفاهيمة الجمالية الخاصة به فحسب - كما يعتمد على ذلك الفنان - ولكنه يعتمد بشكل رئيسي على المواءمة بين ماهو مطلوب منه وبين ماهو مُتاح عملياً من خلال استخدام خبراته التقنية بطريقة فنّية تساهم في تحقيق ذلك الهدف.
أمّا مايقصده موناري “بالحِس الجمالي” فليس له علاقة بما يسمّى بـ”الستايل” أو الطابع الخاص في التنفيذ. فالجمالية في التصميم لا تعني فرض ستايل أو طابع عائد إلى ذائقة المصمم الشخصية على العناصر، بل بمدى مساهمة المصمم (بإسلوب يتصف بالموضوعية والحيادية) بمنح العناصر وظيفة وهيئة متناسقة ومتجانسة مع طبيعة الهدف المراد تحقيقه من التصميم.
يشبّه برونو موناري الجمالية في التصميم بأوراق الشجر. فنحن نرى الورقة جميلة ليس لهيئتها المنفردة، بل لكونها تبدو لنا طبيعية ومتناسقة مع البُنية الكاملة للشجرة. فالورقة اكتسبت تلك الهيئة وذلك التصميم بناءً على الوظيفة الخاصة بها ضمن ذلك البِناء، ونحن في حال استبدلنا تلك الأوراق بأوراق اخرى ذات تصميم مختلف لتسبّب ذلك في نَقصٍ في بناء تلك الشجرة أو على الأرجح، موتها.
يمكن أن نستبدل مثال أوراق الشجر بالخطوط المستخدمة في التصميم. فبإمكان مصمم الجرافيك على سبيل المثال استخدام خط ذو هيئة جميلة اعتماداً على ذائقته الخاصّة، لكن عندما لا يتطابق ذلك الخط مع محتوى التصميم وهويته أو لم ينسجم مع بقيّة العناصر الأخرى في التصميم كما يجب أو كان من الصعب على الفئة المستهدفة قراءته مثلاً، فإنه يفقد بذلك جماليته لفشله في القيام بالوظيفة المطلوبة منه.
لذلك، ولكي يصبح المصمم بارعاً، يرى موناري بأنه من الضروري أن يكون المصمم مُلمّاً على الدوام بالتقنيات والأساليب الفنّية والفكرية والسيكولوجية المرتبطة بتخصصه وأن يطوّرها ويغيّرها بحسب مايراه مناسباً لتحدّيات الزمن والثقافة التي يعيش فيها. وأن يتذكّر دائماً بأن عمله مرتبط بشكل رئيسي بتحقيق الهدف المنشود من كل تصميم وفعاليته في التواصل مع الجمهور أكثر من كونه مرتبطاً بتحقيق الذائقة أو الأفكار الشخصية الخاصة.