“ النائم لا يكبر في النوم، ولا يخاف ولا يسمع أنباء تعصر العلقم في القلب. لكنّك تسأل نفسك قبل النوم: ماذا فعلتُ اليوم؟ وتنوس بين أَلم النقد ونقد الألم … وتدريجياً تصفو وتغفو في حضنك الذي يلمّك من أقاصي الأرض، ويضُمُّك كأنك أمُّك.
النوم بهجة النسيان العليا. وإذا حلمت، فلأنَّ الذاكرة تذكرتْ ما نسيتْ من الغامض. تنام، وتعلم أنك تنام فيفرحك النوم وتمدح الكسل، صديق النوم والمواهب. ولا يهمُّك أن يطيل النومُ عمرك، بل يهمك أن يطيل العمرُ نومَك. النوم ضيافة الأبيض على الحواس، وارتيادُ الأزرق أَرضَ المُطْلَقِ بلا مرشدين وكهنة وصوفيين. والنائمون سواسية على الرغم من اختلاف السُرُر والسرائر. لكن اليقظة هي التي تفرِّق بين النائمين، وتجرّهم إلى حروبِ ما قبل النوم وبعدَه. لو نام العالَمُ أكثرَ لصارتِ الفوارقُ أقلَّ.
النوم امتلاء الجسد بالطُمأنينة والسّكيْنة، وخلوّ الذهن من الرّعب والضجر. لا ضجر في النوم ولا خطر. هو حاجة الصحو إلى غيبوبة قريبة من تشبيه الشيء بشبيهه الغائب، وتنبيه المخيلة إلى آثار الوقت السلبية فيها …”
— محمود درويش، في حضرة الغياب